فصل: مسألة عبد بين عبد ورجل آخر أعتق العبد مصابته أيقوم عليه بقيته:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة وصية للعبد بالكتابة:

قال: وسئل عن رجل يقول لعبده: أخدم ورثتي سنة ثم لك سنة أخرى تأتي فيها بوضيف ثم أنت حر، فأتى بالوضيف بعد السنة بشهر أو نصف شهر أو أكثر من ذلك، فقال: يعتق.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لأنها وصية للعبد بالكتابة على هذا الوجه، فإن حملها الثلث تمت له الوصية وعتق إذا خدم السنة وجاء بالوضيف، وإن أتى به قبل تمام السنة الثانية ولو أتى به في السنة الأولى لعتق بتمامها، لأن الأجل إنما مرفقه للعبد كالمكاتب إذا عجل كتابته قبل الأجل، ولو انقضت السنة الثانية ولم يأت بالوضيف لتلوم له في الإتيان به كما يتلوم للمكاتب في كتابته إذا حلت، فإن لم يأت به وعجزه السلطان كان رقيقا للورثة، وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي عند موته فيقول لغلامي فلان شهر من كل سنة:

وسئل وأنا أسمع عن الرجل يوصي عند موته فيقول: لغلامي فلان شهر من كل سنة، فقال: يعتق منه جزء من اثني عشر جزءا.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لأنه جعله شريكا للورثة في نفسه بذلك القدر، فوجب أن يكون منه ذلك القدر حرا كما لو نص على حريته، والله الموفق.

.مسألة العبد يكون معروفا بالإباق فيرسم سيده في جبهته عبد فلان:

قال: وسألت عبد الله بن وهب عن العبد يكون معروفا بالإباق فيرسم سيده في جبهته عبد فلان، هل ترى هذا مثلة؟ قال: نعم، هي مثلة وأرى أن يعتق عليه.
قلت: فلو رسمه بمداد وإبرة كما يفعل الناس في أيديهم وأجسادهم؟ قال: يعتق عليه. قال: وسألت عنها أشهب فقال: لا يعتق عليه.
قال محمد بن رشد: إنما قال ابن وهب إنه يعتق عليه إتباعا لظاهر قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ «من مثل بعبده أو أحرقه بالنار فهو حر» إذ عم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يخص مثلة من مثلة، وهذه مثلة، وإنما قال أشهب: إنه لا يعتق عليه؛ لأن قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج بسبب، وهو ما فعله زنباع بعبده سندر من جبه وجذع أذنيه وأنفه، إذ وجده يقبل جارية له، فقصر الحديث على سببه، وهي المثلة بقطع عضو من الأعضاء، وقد اختلف في اللفظ العام المستقل بنفسه الوارد على سبب هل يقصر على سببه أو يحمل على عمومه، فاختلافهما في هذه المسألة راجع إلى هذا الأصل، وقول أشهب في هذه المسألة أظهر، لأن الأصل أن لا يخرج ملك أحد من يده إلا بيقين، ولا يقين في هذه المثلة للاحتمال في الحديث، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول اشهدوا أن أم ولدي قد أعتقت رقيقها وهي تجحد:

وسئل: عن الرجل يقول اشهدوا أن أم ولدي قد أعتقت رقيقها أو قد حنثت فيهم بالعتق وهي تجحد، قال: إن كان السيد صحيحا فذلك عندي انتزاع، وهم أحرار، وإن كان مريضا لم يقبل منه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، إذ لا وجه للإشهاد على فعلها إلا إرادة إلزامها ذلك، وإذا ألزمها ذلك فقد انتزعهم منها وأعتقهم، فوجب أن ينفذ ذلك عليها في الحال الذي يجوز له فيه انتزاع مالها، وبالله التوفيق.

.مسألة يعتق الأسفل إذا ملك سيده الأعلى:

من سماع أصبغ من ابن القاسم من كتاب البيوع قال أصبغ بن الفرج: سمعت ابن القاسم يقول: لو أن رجلا له عبد ولعبده عبد فغضب الرجل على عبده فوهبه لعبده نفسه جاز، وإن كانت جارية وطئها العبد الموهوب له، ولو كانت لرجل جارية وللجارية عبد فوهبها لعبدها جاز، ووطئها العبد إن شاء.
قال محمد بن رشد: في الثمانية لأبي زيد عن ابن الماجشون أنه يعتق الأسفل إذا ملك سيده الأعلى، ووجه قوله: إنه إنما ملك سيده كان له أن ينتزع نفسه منه، إذ للسيد انتزاع مال عبده، وإذا ملك نفسه بالانتزاع كان حرا، وابن القاسم لا يرى لواحد منهما عتقا، وقوله أظهر، إذ لا يستقيم ملك العبد لسيده، فيكون كل واحد منهما مالكا لصاحبه، فهبته له لا تصح إلا بعد أن ينتزعه منه، فيصيران جميعا له.
وقوله: وإن كانت جارية وطئها العبد الموهوب هو قوله بعد ذلك بعينه، ولو كانت لرجل جارية وللجارية عبد فوهبها لعبدها جاز، ووطئها العبد إن شاء، فلا وجه لتكريره، فلو قال: ولو كان لرجل عبد، وللعبد جارية فوهبه لها لحرمت عليه لكان وجه الكلام لتبيين أنها تحرم عليه إذا وهب لها، كما تحل إذا وهبت له، وإنما تحل له إذا وهبت له إن كانت هبة صحيحة يشبه إن وهب مثلها لمثله على ما قاله في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح، وفي رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب منه، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لغلامه اعمل على هذه الدابة فإن ماتت فأنت حر:

ومن كتاب الوصايا:
قال: وسئل ابن القاسم عن رجل قال لغلامه: اعمل على هذه الدابة، فإن ماتت فأنت حر، فمات السيد قبل الدابة، قال: فهو كما قال، وليس يعتق إلا إلى موت الدابة، فإن ماتت الدابة قبل موت السيد فهو حر، من الثلث، فإنما هو بمنزلة رجل قال: اخدم فلانا ما عشت أنا، فإن مات فلان قبلي فأنت حر، فإن مت قبل فلان فأنت حر إلى موته، فإن مات السيد قبل فهو حر من الثلث. قال أصبغ يبين ما قال: وما ناظر فليس ذلك له بنظير ولا حجة، والنظير صواب في ذاته، لأن ذلك استثناء وقيد بعضه ببعض، فله ثنياه التي عليها وضع، وأن الأول أعتق إلى آجال مهمة، كالذي يقول أنت حر إلى موت فلان أو عن دبر فلان بخدمتك لفلان، أو بغير خدمته، فهو أجل أعتقه إليه لا يرجع فيه، وهو من رأس المال، والإنسان والدابة في ذلك سواء، وهو من رأس المال إن مات السيد قبل ذلك أو بعد الدابة قبل أو بعد، قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: وللورثة أن يبيعوا الدابة بموضع لا يغيب علمها.
قيل: أرأيت إن قتل العبد الدابة خطأ أو عمدا؟ قال: إن قتل العبد الدابة خطأ عجل له العتق، وإن كان عمدا لم يعجل.، وخدم إلى قدر ما تعمر إليه الدابة، وكذلك إن بيعت وغاب عليها، وقاله أصبغ.
وسئل سحنون عن رجل قال لغلامه: أنت حر بعد موت حماري، فعمل الغلام على الحمار وحمل عليه فوق طاقته وعنف عليه حتى مات الحمار قال: نعم، قيل له: فلو لم يحمل عليه فوق طاقته ولكنه قتله قتلا، فقال: أرأيت لو أن أم ولد قتلت سيدها؟ فقلت له: عمدا قتلته؟ قال: نعم، فقلت له: تقتل به؟ قال: نعم، قال: فإن سامحها أولياء القتيل، فقيل له تعتق وليس ما جنت بالذي يحل عنها ما عقد لها من العتق القوي، وليست كالمدبرة تقتل سيدها، قال: فكذلك الذي سألت عنه من قاتل الحمار يعتق مكانه لأنه معتق إلى أجل ليس له بيعه ولا يلحقه الدين فليس كالمدبر، ألا ترى أن المدبر إنما يعتق من الثلث ويلحقه الدين ويتسلط عليه الغرماء بعد الموت.
قيل له: فهل على هذا العبد قيمة الحمار، إذا أعتق؟ فقال: أما أنا فلا أرى عليه شيئا، وأما على مذهب ابن القاسم قد أخبرتك أن المدبر والمعتق إلى أجل إذا جنى أحدهما على السيد أن السيد يختدمه، وفي رواية ابن أبي زيد المصري، قال ابن القاسم في رجل قال لغلامه أنت حر بعد موت دابتي قال: فليس له إلى بيع الغلام سبيل؛ لأنه مرتهن بيمين، قيل له: فإن هلك سيد العبد؟ قال: يكون العبد موقوفا حتى تموت الدابة، ولا سبيل للورثة إلى بيعه، قيل له: أفيبيع الورثة الدابة إن شاءوا؟ قال: نعم، بموضع يعرف فيه هلاك الدابة.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في الذي يقول لغلامه اعمل على هذه الدابة، فإذا ماتت فأنت حر، إنه يكون حرا من الثلث إن مات السيد قبل الدابة مخالف للأصول؛ لأنه معتق إلى أجل هو آت على كل حال، ولا اختلاف في أن المعتق إلى أجل حر من رأس المال وجبت له الحرية بانقضاء الأجل قبل موت السيد أو بعد موته، وكذلك المسألة التي نظرها بها، وهو قول الرجل لغلامه اخدم فلانا ما عشت أنا، فإن مات فلان قبلي فأنت حر، وإن مت قبل فلان فأنت حر إلى موته، قوله فيها أيضا إنه حر من الثلث إن مات السيد قبل فلان مخالف للأصول، والصواب أنه حر من رأس المال على كل حال مات السيد قبل فلان أو بعده؛ لأنه معتق إلى موت فلان، وقول أصبغ والنظير صواب في ذاته ليس بصواب، إذ لا فرق بين المسألتين، لأنه إذا قال اخدم فلانا ما عشت أنا، فإن مات فلان قبلي فأنت حر، وإن مت قبل فلان فأنت حر إلى موته، فهو في المعنى كما قال له: أنت حر إذا مات فلان، وله خدمتك حياتي، فإذا كان هذا هو المعنى المفهوم من اللفظ فالحكم له دون اللفظ.
وقول ابن القاسم: إذا قتل العبد الدابة التي جعل حرا بعد موتها: إنه لا يعجل له العتق ويخدم إلى قدر ما تعمر إليه الدابة هو الصواب، وقول سحنون: إنه يعجل له العتق بعيد، وقياسه ذلك على أم الولد تقتل سيدها ليس بصحيح، لأن أم الولد إنما فيها من الرق ما لسيدها فيها من الاستمتاع، وهو يبطل لقتلها إياه كما يبطل بموته، إذ يستحيل أن يستمتع بها بعد موته أو قبله، فإذا بطل بقتلها إياه وجبت حريتها، والخدمة التي له في العبد إلى موت الدابة ليس للعبد أن يبطلها على السيد فيستعجل حريته بقتله إياها، فوجب أن يستوفيها بعد قتله للدابة إلى القدر التي تعمر إليه، إذ ليس بمستحيل، وكذلك يجب لو أعتق رجل عبده إلى موت رجل فقتل العبد ذلك الرجل أن لا يعتق إلا إلى حد تعميره، ومسألة المدبر يقتل سيده هي التي تشبه هذه المسألة، مسألة أم الولد، لأن المدبر لما أراد أن يتعجل العتق من ثلث سيده بقتله إياه حرم ذلك، وهذا إذا أراد أن يتعجل العتق بقتله للدابة، فوجب أن يحرم ذلك كما يحرم قاتل العمد الميراث لما أراد من استعجاله إياه قبل وجوبه له، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: الصواب ما قال سحنون: إنه إذا قتله متعمدا أن يعتق ويختدمه السيد أو ورثته بقدر الجناية عند ابن القاسم، ولا يعمر الحمار ويخدم العبد قدر ما بقي من عمره؛ لأنه لما قال له: أنت حر إلى موت حماري، فمعناه إلى موته بأجله الذي قدره الله له، فالله جل ذكره قد سبب موت الحمار بتعدي العبد عليه، فقد مات الحمار بأجله، فالعبد يعتق والجناية تلزمه عند ابن القاسم، وعلى قول سحنون وأشهب: لا شيء عليه في الجناية، وليس قول ابن دحون بشيء، لأن الدابة وإن ماتت بأجلها إذا قتلها فقد تعدى بقتله إياها فوجب أن لا يبطل بذلك حق سيده، باختدامه إياه إلى حين موتها، كما لا يبطل حق من أخدم عبدا حياته بقتل من قتله متعمدا من أجل أنه مات بأجله، إذ ليس ذلك بعلة، ولو صح أن يكون ذلك علة لما وجب القصاص على من قتل عمدا، ولا لزم من قتل عبد رجل شيء، ولكان لقاتل العمد ميراث من قتل عمدا.
وقول ابن دحون أيضا ويختدمه السيد أو ورثته بقدر الجناية ليس بصحيح، إذ لو وجب أن يعتق على مذهب ابن القاسم لما كان له ولا لورثته أن يختدموه بقدر الجناية كما قال، لأن الذي عليه قيمة الدابة فلا يجوز أن يختدم بها، إذ لا يختدم الحر في الدين، وإنما يؤخذ من ماله أو يتبع به دينا في ذمته إن لم يكن له مال، ولو قتل الدابة أجنبي عمدا أو خطأ لعتق العبد مكانه، قال ذلك في كتاب ابن المواز، ولا اختلاف في ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال إن مت فغلامي حر:

وقال في رجل أوصى فقال: إن مت فغلامي حر، وإن صححت فغلامي فلان لغلام له آخر حر، فمات فأقام أحدهما شاهدين أنه مات وهو صحيح، وقد صح وأقام الآخر شهودا أنه هلك من مرضه، فأرى أن يعتق من كل عبد منهما نصفه، لأن العتق قد ثبت لواحد منهما، ونحن لا ندري من هو منهما، فيعتق من كل واحد منهما نصفه، إلا أن يكون بعض الشهداء أعدل فيقضي للذي هو أعدل شهودا، قال أصبغ: بل أرى الشهادة شهادة الصحة، وأراه أولا وهو المثبت له الوصية إذا قطعوا الشهادة بصحته، فهذا علم يغلب على علم الآخرين، كما لو شهد عليه في مرضه بوصية فاجتمعوا على الوصية له، وإن اختلفوا في الشهادة، فقال بعضهم صحيح العقل، وقال الآخر غامر العقل، فهم أولى؛ لأنهم علموا ما لم يعلم الآخرون.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ في هذه المسألة: إن شهادة الصحة أعمل أظهر من قول ابن القاسم، لأنها علمت من صحته ما جهلته الأخرى، ومثل قول أصبغ لابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الشهادات في التي مرضت فأوصت في مرضها، فشهد شهود أنها كانت صحيحة العقل وشهد آخرون أنها كانت موسوسة، لأنه إذا قال في تلك: إن شهادة الصحة أعمل فأحرى أن يقول ذلك في هذه، وإذا قال في هذه أن ينظر إلى أعدل البينتين فأحرى أن يقول ذلك في تلك، وقد ساوى أصبغ بينهما في هذه الرواية.
فيتحصل في مجموع المسألتين ثلاثة أقوال، أحدها: أنه ينظر فيهما جميعا إلى أعدل البينتين، والثاني: أن شهادة الصحة أعمل فيهما جميعا، والثالث: أن شهادة الصحة أعمل في اختلافهم هل صح من مرضه أو لم يصح، وأنه ينظر إلى أعدل البينتين في اختلافهم هل كان في حين الوصية صحيح العقل أو غامر العقل، وفي كل مسألة من هاتين المسألتين قولان، ويتخرج في اختلافهم في حين الوصية هل كان صحيح العقل أو غامر العقل قول ثالث، وهو أن شهادة المرض أعمل، ولا يقال ذلك في اختلافهم هل صح من مرضه أم لا؟ فهذا وجه القول. في هذه المسألة، وقد مضى ذلك في سماع أبي زيد من كتاب الوصايا، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة الولاء يجب للمعتق:

قال أصبغ: سئل ابن وهب عن أختين اشترتا أباهما فعتق عليهما وهما من حرة كانت أمهما حرة، فتوفيت إحداهما فورثها أبوها، ثم توفي الأب قال: ترث الثانية النصف بالرحم والولادة، وترث نصف النصف الباقي بالولاء ويبقى الربع. فلها النصف نصف هذا الربع الباقي؛ لأن أباها جر ولاء ولده إليها، لأنه حين عتق جر ولاء ولده بعضهم لبعض، وكان مولاهما جميعا بجر ولاء هذه إلى هذه، فصار لها ها هنا سبعة أثمان الميراث.
قيل له: أرأيت إن كانت إحداهما اشترته والأم حرة فتوفي الأب؟ قال: يرثان الثلثين بالرحم.، وما بقي للتي أعتقته بالولاء.
قيل له: فتوفيت الآن بعد التي لم تشتره بعد الأب وبقيت التي كانت اشترته؟ قال: فلها كل شيء بالرحم والولاء.
قيل له: فإن رجلا اعتقها ثم اشتريا أباهما فيعتق عليهما ثم توفيت إحداهما بعد ثم توفي الأب بعد ذلك؟ قال: فلهذه الباقية النصف من أبيها بالرحم ولها نصف النصف الباقي بالولاء، فذلك ثلاثة أرباع، وما بقي فلمولاهما الذي أعتقهما.
قال محمد بن رشد: قوله في الأختين اللتين اشترتا أباهما فيعتق عليهما وهما من حرة فتوفيت إحداهما فورثها الأب ثم توفي الأب، إن للباقية النصف بالرحم والولادة، ونصف النصف الباقي بالولاء، ونصف الربع الباقي بجرور الولاء، فيصير لها سبعة أثمان الميراث صحيح، وإنما ورثت نصف الربع الباقي من ميراث أبيها؛ لأن النصف الذي أعتقت أختها منه يجر إليها نصفه؛ لأنها أعتقت نصف أبيها، فهو مولى ابن مولاها، والمرأة ترث بالولاء من أعتق ولد من أعتقت، وبيان ذلك أن الولاء يجب للمعتق، ولم يجب له بسبب العتق ممن ينجر إليه عن المعتق أو يجره إليه المعتق على ما أحكمته السنة عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ.
من ذلك أن الموالي ثلاثة، مولى الرجل الذي أعتقه، ومولى أبيه ومولى أمه، فالولاء ينجر عن السيد المعتق إلى ولده وعصبته الأقرب فالأقرب، لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الولاء للكبر» والعبد المعتق يجر ولاء لده الذين لم يعتقوه، وولاء مواليهم إلى مواليه، والأمة المعتقة تجر ولاء ولدها الذين لم يعتقوا وولاء مواليهم إلى مواليها أيضا كان ولدها من زنى أو كان قد نفاهم أبوهم بلعان، أو كان عبدا أو كافرا، فلما أعتقت الابنتان أباهما في هذه المسألة وكانتا حرتين لم يعتقا، ثم توفي الأب بعد موت إحداهما وجب أن ترث الابنة الباقية النصف بالرحم والولادة، وترث نصف النصف الباقي بالولاء؛ لأنه أعتق عليها نصفه، وترث نصف الربع الباقي بجرور الولاء، لأن النصف الثاني الذي أعتق منه على أختها الميتة ينجر إليها نصف ولائه، لأنها أعني الباقية لما أعتق عليها نصف أبيها جر إليها الأب نصف ولاء ابنته الميتة على ما بيناه من أن العبد المعتق يجر إلى مواليه ولاء ولده، ألا ترى أنها لو ماتت بعد الأب لورثت أختها الباقية منها النصف بالرحم ونصف النصف الثاني بجرور الولاء؛ لأنها ابنة مولى، لها نصف ولائه، وإذا جر الأب إليها نصف ولاء أختها فهو يجر إليها أيضا نصف ولاء ما أعتقت على ما بيناه، والذي أعتقت إنما هو نصف أبيها الثاني، فلها ولاء نصف هذا النصف وهو الربع، فوجب لها ثلاثة أرباع ولاء أبيها، النصف بعتقها إياه والربع بجر الولاء على ما بيناه، وهذا كله بين.
ومما يزيده بيانا وإيضاحا أن الابنة الميتة لو أعتقت عبدا أجنبيا لكان للابنة الباقية نصف ولائه لأنه مولى ابنة رجل أعتق عليها نصفه، فكان لها نصف ولائه، فكذلك يكون لها نصف ولاء النصف الثاني الذي أعتقته من أبيها، لأن المرأة ترث بالولاء من أعتق ولد من أعتقت، وقد روي عن ابن القاسم في الأختين اللتين اشترتا أباهما فعتق عليهما أن الأب إن توفي قبلهما فورثتاه، ثم توفيت إحداهما أن الأخت الباقية ترث النصف بالنسب، ونصف النصف بشركة الولاء، ونصف الربع بجرور الولاء إليها، وهو غلط ظاهر، والصحيح ما ذكرناه من أن لها النصف بالنسب ونصف النصف بجرور الولاء، وهو منصوص عليه لابن الماجشون.
وأما قوله إنه إن كانت اشترته إحداهما والأم حرة فتوفي الأب إنهما ترثان الثلثين بالرحم وما بقي للتي أعتقته بالولاء، فهو بين لا إشكال فيه، وكذلك قوله إنه إن توفيت التي لم تشتره بعد الأب إن للباقية من أبيها النصف بالرحم ونصف النصف بالولاء؛ لأنه أعتق عليهما نصفه، وما بقي فلمولاهما الذي أعتقهما؛ لأنه أعتق الميتة منهما التي أعتق عليها نصف أبيها المتوفى، فوجب أن يكون له الباقي كما ذكر، لأنه أحق بميراث من أعتقت من أختها، لأنه هو أعتقها، وأختها إنما أعتقت أباها، ومولى المولى أحق بالميراث من مولى ابن المولى، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول لعبده إذا مت فأنت سائبة وهو يريد بذلك الحرية:

ومن كتاب البيوع الثاني:
قال: وسمعته يقول في تفسير السائبة، قال الذي يقول لعبده إذا مت فأنت سائبة، وهو يريد بذلك الحرية، أو يقول: اذهب فأنت حر، أو أنت سائبة، أو يقول أنت سائبة، وهو يريد الحرية، ولا يقول اذهب ولا أنت حر، وذلك كله سواء يعتق ويخرج حرا وهو سائبة ولاؤه للمسلمين، إلا أنه لا يعجبني أن يعتق اليوم سائبة؛ لأن ذلك هبة الولاء، وقد نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الولاء وعن هبته، فإن فعل فهو على ما أخبرتك وقلت لك.
قال أصبغ: لا يعجبني قوله في كراهية عتق السائبة، هو جائز أبدا، كما أن جائزا أن يعتق رجل عن غيره عن ابنه أو أبيه أو من أحب والولاء للمعتق عنه، لا كراهية فيه، فكذلك المسلمون جميعا، وقد جاء عن السلف من عملهم في عتق السائبة وكلامهم فيه، فليس فيه مكروه، ولا يعجبني قوله أيضا باستثنائه في السائبة إذا قال له أنت سائبة، أو اذهب أنت سائبة، حين استثنى وهو يريد الحرية، سواء أراد الحرية أو لم يرد الحرية، هي حرة على سنة السائبة، وهي سنة فيما جاء فيه الأثر وتكلم به، أو يقول أنت سائبة فقط، وليس فيه أكثر من قوله، إلا أن يكون لقوله ذلك سبب غير الحرية.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في آخر سماع أشهب من هذا الكتاب، قلا معنى لإعادته.

.مسألة قال الرجل قل لغلامي يلقاني غدا فإن لم يفعل فهو حر:

ومن كتاب المدبر والعتق:
قال أصبغ: سألت ابن القاسم عمن قال لرجل: قل لغلامي يلقاني غدا في موضع كذا وكذا، فإن لم يفعل فهو حر، فنسي الرجل أن يقوله للعبد، أو قاله له فلم يفعل، إنه لا عتق فيه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم لم يدرك من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته.

.مسألة ورثة ورثوا عبدا من ميت فقيل لهم إنه قد أعتقه:

قال أصبغ: وسمعت ابن القاسم وسئل: عن ورثة ورثوا عبدا من ميت فقيل لهم: إنه قد أعتقه، فقال أحدهم: قد أجزت مصابتي، فقال: يعتق مصابته، ولا يقوم عليه ما بقي، وليس هو بمنزلة من ابتدأ العتق.
قال محمد بن رشد: قوله إنه يعتق مصابته من أجاز خلاف مذهبه في المدونة وغيرها، مثل مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة والمغيرة المخزومي، إذ لا فرق بين أن يشهد بذلك أو يمضي قول من شهد به، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم يوصي من سماع عيسى فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة يحلف بعتق جاريته ليبيعها فتلد أولادا ثم تموت ولم تبع:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يحلف بعتق جاريته ليبيعها فتلد أولادا ثم تموت ولم تبع: إنها تعتق وولدها جميعا في الثلث، ولا يبدأ أحد منهم على صاحبه، وهم بالسوية، قال: وقال مالك: وإنما هي بمنزلة المدبرة تلد أولادا، إلا أن المدبرة يطأها سيدها، وهذه لا يطأها، فهي أوكد من المدبرة، وهو بمنزلة أمر عقده لهم في الصحة جميعا هي وأولادها، وقاله أصبغ كله.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم باع شاة من سماع أشهب، فلا معنى لإعادته.

.مسألة من اشترى مدبرا فأعتقه فالولاء له:

قال: وقال في رجل قال لرجل: علي عتق رقبة فبعني رأسا، فباعه مدبرا وكتمه، فاشتراه وأعتقه ثم علم.
قال: عتقه جائز، وهو يجزيه في الرقبة التي كانت عليه، ومن اشترى مدبرا فأعتقه فالولاء له ولا يتبع البائع بشيء، وعتقه جائز نافذ.
قال محمد بن رشد: اختلف في المدبر يباع فيعتقه المشتري، فقيل يمضي عتقه ولا يرد، وهو قوله في هذه الرواية، فقوله: إنه يجزيه عن الرقبة التي عليه إذا دلس له البائع ولم يعلمه أنه مدبر، هو على قياس هذا القول، ولو أعلمه البائع أنه مدبر لم يجزه عن الرقبة التي عليه، وإن لم يرد عتقه على هذا القول، لأنه إذا اشتراه وهو يعلم أنه مدبر فقد اشتراه بشرط العتق، إذ لا يجوز بيع المدبر على غير العتق، والرقبة الواجبة لا تشتري بشرط العتق، وقيل: إن المدبر إذا بيع يرد البيع، وإن أعتقه المشتري، فعلى هذا القول لا يجوز عتق الرقبة الواجبة، فإن أعتقه المشتري ففات رده بموت أو عيب، وكذلك إذا اشتراه فأعتقه من زكاته يجري جوازه على هذا الاختلاف، وقد مضى الكلام على هذه المسألة بأوعب من هذا في سماع أصبغ من كتاب الوصايا قرب آخر أول رسم منه، وبالله التوفيق.

.مسألة قطع يد أو يدي عبده:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول فيمن قطع يد أو يدي عبده فأره صناع فإنه يضمن قيمته وعتق وليس عليه.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في سماع أصبغ أيضا من كتاب الجنايات نصا، وفي المدونة نحوه، قال: إذا كان فسادا لا منفعة معه في العبد حتى يضمنه من تعدى عليه عتق عليه، وكان بمنزلة من مثل بعبده، وقال أصبغ: ذلك استحسان وليس بقياس، وقال ابن الماجشون في الواضحة: إنه لا يعتق عليه، وهو الأظهر، لأن السنة إنما جاءت فيمن مثل بعبده، وبالله التوفيق.

.مسألة قول السيد لعبده اخرج إلى إفريقية فإذا بلغتها فأنت حر:

قال أصبغ: سمعت أشهب بن عبد العزيز وسئل: عن رجل استأذنه عبده في الخروج إلى إفريقية، فقال له: اخرج فإذا بلغتها فأنت حر، ثم أراد أن يمنعه بعد ذلك من الخروج، قال: ليس ذلك له، قيل لأشهب فخرج فمات السيد والعبد في الطريق قبل أن يبلغ؟ قال: سواء مات أو لم يمت إذا بلغها فهو حر، فقيل له: أمن الثلث؟ فقال: لا، بل من رأس المال لو كان من الثلث كله.
قال محمد بن رشد: لابن المواز في هذه المسألة زيادة قال: إلا أن يبدو للعبد في الخروج، فجعل قول السيد لعبده: اخرج فإذا بلغتها فأنت حر، تمليكا منه له في العتق، يلزم السيد ولا يلزم العبد، وقد قلنا في رسم يدبر من سماع عيسى: إن هذه المسألة يتخرج فيها ثلاثة أقوال، وأن قول ابن المواز في هذه المسألة وقول أشهب أيضا إن حمل قوله على التفسير له قول رابع في المسألة.

.مسألة رجل قال لغلامه اعمل هذا اليوم وأنت حر:

وسئل: عن رجل قال لغلامه: اعمل هذا اليوم وأنت حر، فقال: هو حر أبدا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال إنه يكون حرا إن عمل ذلك اليوم؛ لأنه عتق على شرط يجب له الوفاء به كالكتابة، وبالله التوفيق.

.مسألة عبد بين عبد ورجل آخر أعتق العبد مصابته أيقوم عليه بقيته:

وسئل: عن عبد بين عبد ورجل آخر أعتق العبد مصابته أيقوم عليه بقيته؟ قال: إن أعتقه بإذن سيده قوم على سيده في جميع ماله ويباع فيه رقبة عبده وغير ذلك، وإن كان أعتقه بغير إذنه فلا قيمة فيه أصلا، لا على السيد ولا على العبد، ولو قال السيد قوموه على العبد فيما بقي في يديه لم يقوم عليه، وإن كان أعتقه بغير إذن سيده فأجاز سيده عتقه فهو بمنزلة ما لو أعتقه بإذن سيده ابتداء سواء.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه إذا أعتقه بإذنه أو بغير إذنه فأجازه فهو المعتق له؛ لأنه كأنه انتزعه منه فأعتقه، بدليل كون الولاء له لا يرجع إلى العبد إن أعتق، بخلاف ما قال في رسم نقدها من سماع عيسى في العبد بين الشريكين، وقد ذكرنا هنالك الفرق بين المسألتين.
وقوله: لا يقوم على العبد فيما بقي من ماله إذا دعى إلى ذلك شريكه، يريد أنه لا يقوم عليه في مغيب سيده، ولو كان حاضرا لكان وجه الحكم في ذلك أن يوقف على إجازة عتقه أورده، فإن أجازه قوم عليه كما قال بمنزلة ما لو أعتق بإذنه، وإن رده فهو مردود، ولو قال السيد لما وقف على ذلك. لا أجيز عتقه ولا أرده لوجب أن ينفذ عتق نصيبه منه الذي أعتقه، فإن أعتق قوم عليه باقية لأن الولاء إذا لم يجز السيد عتقه ولا رده حتى أعتق، وبالله التوفيق.